كان، وأصبح.. وصار
من يحق له أن يُحاسبك على الماضي ويلقي بمستقبلك وحاضرك خلف القضبان؟!
حتى إن أخطأت يوما وكنت مذنبا، من يمتلك سلطة الجلد وحق النقض وقوة تثبيت الحكم، من يحق له أن يُعلق الماضي شراعا على أبواب القادم ويصد رياح الأمل، ويجعل من تفاصيل الأمس حجة وبرهانا، ويبقيك في زاوية مظلمة ملوحا في كل لحظة بحبل المشنقة؟!! من ذا الذي يقدر أن يسلبك الحياة وقد وهبك هي واهب الحياة!!!! ويظن أنه القادر والحاكم والعادل والقاهر فوق عباد الرحمن؟!!
السيد المخضرم جون ماكسويل يطل علينا في كتابه السقوط للأمام الصادر عام 2000م ليكتب عن الفشل، ويسأل في سذاجة الأطفال من خلال مقدمة كتابه الشيق: لماذا لم نر أحدا يكتب عن الفشل ويتباهى بزلات الأمس وكبواته، فلولا الماضي وعثراته ما كنا ولا أصبحنا، ما كنا لمحنا بريق النجوم بعد أن غدا ماضيا يعانق أعيننا المتأملة، ما كنا سمعنا الرعد وقد هدأت ثورته بعد لقاء أسماعنا الحائرة؟!
وكأن مستر ماكسويل يوبخك وينهرك .. يصفع كل ما فيك أن أفق، فليس بيننا من لا ماض له، وليس فينا ملاكا، كلنا بشر.. كلنا سواسية!! نمشي على الأرض، نخطئ نتعثر، نغضب ونصرخ، نتوه ونعود لصوابنا!
لذلك يقال: إن سألك أحدهم متندما حزينا أنه لم يقابلك منذ زمن بعيد وأنت ذلك العظيم ليتعلم منك، فابتسم وقل له، لا تندم كثيرا يا هذا ولا تتأوه، فمن تراه اليوم رائعا متميزا لم يكن كذلك بالأمس!!
أما إن حاول أحمق أن يضع هفواتك تحت المجهر، أو أن يدعوك والجيران إلى حفلة في الأستاد العام ويفتح الكشافات على ماضيك واضعا خريطة تفصيلية لأماكن الجروح والندبات على جبينك وقلبك، فأضحك بعلو صوتك ولا تبالِ أبدا، فقد أقدم على محاولة مشينة لفضح ذاته المعتل، هم نابشو القبور وسارقm الأضرحة، ملعونون، يبقى للماضي كرامته التي يجب أن تحترم!
فلتقم يا سيدي من عثراتك مبتسما، فخير الخطائين التوابون، دعك من اللمازين، وأجعل كل خطوة للأمام هي خير رسالة لأعداء الأمس الزائل، أبعث بتحياتك القلبية لمتتبعي الآثار الآثام، لمن يكتب العثرات في دفتر ويُسجل تخبطات الأمس بلاقطات سرية فلولاهم لما أدركت عظم مكانتك اليوم، و ما كنت عرفت معنى أن تضحك وأنت تمضي صوب المقدمة، والحجر يتطاير حولك بلا خوف أو ريبة.
العظماء فقط من يبتسمون حين ينظرون للمرآة ويصفقون لأنفسهم كثيرا مطأطئين رؤوسهم في تواضع متأملين آثار خطواتهم الراسخة.. يكتبون عن الماضي في زهو، ويقولون كنا وكنا بالأمس، لكننا أصبحنا اليوم وسنترك بصمة، وهل يأتي الحاضر الجميل ويولد القادم الفذ إلا من رحم ماض ثائر!!
بساطة وابتسامة .. والبقية تأتي
سأل الابن والده وقد نظر إلى التفاحة بين أصابعه بعد أن تعرت ولم يبق منها سوى أحشائها: أبي لماذا تغير لونها وأصبح قاتما؟!.
أجاب الأب الكيميائي المخضرم الحائز على مائة جائزة: بعد أن انتزعت جلدها، تفاعلت أحشاؤها المتبقية مع الهواء الذي تسبب في أكسدتها، وبالتالي بداية عملية الصدأ مع تركيبتها الجزئية والتي ساهمت في تغيير لونها!.
تلفت الابن ذو الست سنوات حوله مندهشا .. أتخاطبني يا أبي!
فقد الأب ابنه ولم يصل لعقله الصغير! رغم الجوائز والأوسمة.. رغم التكريم سقط الوالد بالثلاثة أمام فلذة كبده ولم تسعفه شهادات الدنيا.. تحولت إلى شهادات زور باطلة أمام منصة فكره البسيط!.
ترى كم مرة نسقط في حياتنا من على المسرح ونفشل في أن نرغم الحضور أن ينصت إلينا ولا تصل كلماتنا إلى القلوب رغم طرقنا وصراخنا باستماتة؟!
هي البساطة الضائعة التي تفقدنا حلاوة الأشياء، فنتوه في عيون من حولنا.. هي البهارات التي نضيفها بأيدينا إلى علاقاتنا وحواراتها دون أن نفكر في محتواها.. هي النقاط والفواصل والحواشي التي ننثرها على صفحات حياتنا ظنا منا أننا نرتقي ونصعد سلالم المجد، فإذ بنا نهوي ونفشل في أن نوصل الرسالة!.
ليس المهم أن يبصم الطالب أن أستاذه فلطوح زمانه وقد حول الدرس إلى تحدٍ ومعركة مع تلاميذه، ولا يهم القارئ كثيرا أن يلقى كلمات مقعرة حتى يستشعر ثقافة الكاتب وعظمته.. هو لا يبالي كثيرا بعضلات القلم.. هو يبحث عن قلب يرتمي بين أحضانه في عناق دافئ لا يموت مع المسافات الشاسعة وبرودة الزمن!.
طامتنا في تلك الفجوات.. ما بين المثقف والمتلقي.. ما بين المعلم وتلميذه الفتي.. ما بين الزوج وشريكة الدرب الحائرة.. ما بين العالم الذي يسكن أبراجا عاجية ولا ينزل على الأرض حتى يصافح قلوب البسطاء ويسمع أنينهم ويصادق على آلامهم! مشكلتنا في الهوة العربية الشهيرة التي تزداد مع الأيام ما بين القائد والناس وقضية تائهة منذ ستين سنة لم تحل لأنها فقدت أركانها الحقيقية فغابت وتاهت وسط زحام حياتنا!.
فجوة «تواصل» في حياتنا تكبر آثارها.. وتتسع رقعة يزداد شقها مع الأيام. نتناسى أن من خلد ذكراه في هذه الدنيا كان سره في بساطته ووضوحه، وأن من وصل لمرفأ القلب بقيت بصمته أزمانا لتنهل منه أجيال وأجيال، لأنه كان قريبا جدا، فما استطاع الغياب أن ينال من ذلك الحضور.
كما يقال إن كنت تعرف ولا تقدر أن توصل ما تعرف فأنت لا تعرف! حين نصعد على مسرح الحياة وجل غايتنا أن يقال إننا نفهم فقد ارتكبنا جرما يعاقب عليه القانون.. وحين نمسك بالورقة ونحن لا نعرف كيف نرسم حرفا صادقا يطرق باب القلب والعقل فقد خسرنا.. وحين نخاطب الناس بعجرفة متخذين من ألقابنا ومناصبنا متكئا وملاذا فقد فشلنا وقطعنا بأيدينا حبال الوصل والود!.
تضيع الطرود إن كانت الخرائط مهزوزة، وتتوه الرسائل في الجو العاصف تحت ضباب العتمة والظلام وتصبح المدن مهجورة.. البساطة فن، والابتسامة الحقيقة سحر.. وصراحة المعنى ووضوحه جسر حي من لحم ودم ومشاعر لا يعطب مع الأيام ولن تنال منه عوامل التعرية الشهيرة.
ابتسم وكن بسيطا.. وصريحا.. ثلاثة عناصر أساسية تردم الفجوة، سواء كنت مديرا.. أو قائدا أو أبا أو صديقا.. أو حتى عاشقا ثائرا تهوى بجنون أشعل غيرة القمر.
تحياتنا وتقديرنا لبسطاء هذه الأرض فبهم تحل بركات الحياة!!.
كان يا مكان.. زهرة وقمر!!
ناسا، بالأمس القريب تعلن في حزنٍ وأسى أن كوكب الزهرة سيختفي خلف القمر قريبا وماذا يعني يا ناسا؟!!
وإن احتجب الزهرة، هل ترانا سنبالي بذلك اليوم المزعوم أو ترانا سندون تاريخه في الذاكرة، ونحفظ ورق التقويم في خزينة العمر ونبكي على أطلال اليوم المشؤوم!!
كيف لنا أن ننعي غياب الزهرة وهو لم يكن يوما معنا، ولم يسر في طريقنا، ولم يبادلنا السلام ذات صباح ولم يكترث بعبوسنا ولم يسأل عن أمانينا وطموحاتنا المتعثرة، ولم يمد لنا يدا أو يكون لنا عونا ضد كيد الأيام.. لم يسمعنا ولا يعرف مذاق انكساراتنا ولحظات خجلنا، وهزاتنا الأليمة.. لا يفقه لغتنا وليس بيننا ثمة حوار!! لم يبتسم لدقات قلوبنا ولم يسأل عن أحلامنا التي تتبعثر بين أصابعنا، فلماذا نكترث بغيابه إذا ما رحل يوما أو تخفى تحت وشاح الدجى، وغرق في ظلام الكون الدامس!!
لذا فلتسمح لنا ناسا أن نصارحها بحقيقة مشاعرنا وأننا لا ندري عمّا تتحدث ولا نبالي كثيرا بما يعتريها من حزنٍ وأسى.. الأمر سيان.. أتى الزهرة أو رحل .. لا فرق ولا نفهم في الحقيقة لماذا هو حدث جلل؟
الزهرة والقمر.. قصة الإنسان في حياتنا!! كم من كيانٍ زارنا كخيال مسافر، ولم يتعد دوره سوى الحضور والانصراف في سجلات أيامنا الصاخبة، كم من سراب طريق لم يرتقِ يوما ليصبح حقيقة، وبقي الوهم في أقصى لحظات احتياجاتنا.. كم من عين وساعد كانتا البصمة في أقصى لحظات الانكسار والخوف.. والضياع، بل العماد للروح وللقلب!!
ترى كم من زهرة مرت مرور الكرام ولم تبالي بأجسادنا المعلقة على حافة الجبل وعيوننا التي تمتلئ طموحا ورغبة في المضي نحو القمة.. كم من كوكب زهري الملامح طل علينا في تعالٍ وألقى نظرة باردة واختفى دون أن يكترث بأناتنا، كم من زهرة نبتت فجأة في طريقنا، لكنها كانت نبتا شيطانيا، لم نستنشق لها رحيقا أو نسمع لقلبها همسا، ولم نتذوق لحضورها طعما، فمات الجمال في عيوننا منذ اللقاء الأول!
كم من قمر أهمنا غيابه عن سمائنا وبتنا نبكيه حد النواح، ونجزع إذا ما غاب عن أعيننا ولو للحظات وسط أسراب السحاب العابرة؟!
ما قيمة البوصلة وحيدة دون قمر يبارك الخطوات ويبتسم.. ما قيمة الأشياء إن كانت هاربة سابحة في حيز مظلم، تمضي دون أن تلتفت لمن حولها وقد تجردت من كل قوانين الجذب والطرد!!
تحياتنا لــ ناسا الحانقة، لكن الأوطان أيتها الناسا الغاضبة تعيش فقط بأقمارها وشموسها.. ولن تبالي كثيرا برحيل الكومبارس والعالة والمرتزقة من دروبها!! كم من نيزك وشهاب احترق وتلاشى بلا أثر وكم من زهرة شرّق وغرّب ولم نبالِ بحله وترحاله.. كم من نجم بقي يحترق في جسارة لينير دروب التائهين في صحراء الحياة القاحلة..
تقديرنا لكل قلب حقيقي يشرق علينا في كل يوم بأمل وحلم جديدين، وقد أخذ على عاتقه أن يكون القنديل المنير، وسياج الطريق الآمن، واليد الحانية والسند في أقصى لحظات الشتات !! هي الأقمار يا سادة التي تزدان بوجودها السماء والأرض..نعم، الشموس والأقمار والنجوم فقط من يصنعون الفرق في حياة الإنسان.. بل في حياة الأوطان!!
ملاحظة ..الصور المرفقةهي للمنتزه الامريكي الطبيعي يوسمتي بكاليفورنيا
الاخت الغاليه زهورى
ردحذفالسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
سلمت اختياراتك التى دائما ترضينى اشكرك على مجهودك الكبير وابشرك بقدوم حفيدى ونورعينى يوسف ربنا يجعل فى قدومه الخير والسعاده على الجميع تحياتى واحتراماتى الكبيره لااختى وصديقتى
اهلااااا باختي الغالية والف حمدالله على سلامتها
ردحذفربي يقر عيونكم فيه ويجعله من مواليد السعادة يارب ويتم فرحتكم ويحفظه من كل سوء
تحياتي لك وللشيماء ولكل العايلة الكريمة
وباشكرك على حضورك الجميل دايما
الاخت زهور الريف...عذرآ ان تاخرت في المرور على مدونتك الرائعة والدسمة بكل ما يغذي العقل......وذلك لظروفي .....نشكرك على تعريفنا بالكاتب السعودي ثامر شاكر....وبالمواضيع الرائعة التي اخترتها لنا مما كتب...ذو اسلوب اخاذ من نوع السهل الممتنع..!وحوارات جميلة.....وافكار لماحة....شكرآ لكي على رفدك لعقولنا بكل دسم وثمين...................اخيك
ردحذفالعفو استاذ البحر الفاضل ..الكاتب لم ينل بعد حظه من التعريف والانتشار
ردحذفوهو يستحق ان يظهر على الساحة ..فكما اسلفت فاسلوبه سهل وخفيف وممتع
شكرا جزيلا على حضورك الراقي
حبيتى الغالية زهور وحشتينى جداواشتقت للمرور هنا وعند الاصدقاء
ردحذفكيف لكاتب بهذه الروعة لم نعرفه من قبل
مقالاته تدل على انه كاتب مخضرم
نشكرك لتعريفنا به اليوم دامت مدونتك عامرة بالكتاب الرائعين والاختيارات الرائعة لك
اهلا بالطيبة ام عمار اختي الغالية
ردحذفيسعد ايامك
وشكرا على حضورك المميز
اختى المخلصه زهور
ردحذفافتقدتك كثيرا وكذلك وحشنى مكتوب جدا واريد الاطمئنان عليكى فى اقرب فرصه اتمنى ان تكونى بخير وسعاده واللهم بارك لنا فى شعبان وبلغنا رمضان جميعا وعلى الامه الاسلاميه دمتى بالخير
اهلا بالعزيزة ..حضورك منعش للمدونة ويترك طيب خصالك فيها
ردحذفرب يتقبل من الجميع صالح اعمالهم ودعواتهم في شهرنا الفضيل .
لك تحياتي وودي