من أنا

صورتي
السعودية
للقراءة الهادفة في كل المجالات طعم مميز ..وللشعر العربي القديم معزة خاصة .

السبت، 25 مايو 2013

مقـالات من كتاب بيكاسـو وستار بكـس ...3

                                

جسر التنهدات 
................
كنت أتحدث مع صديقي عبر الهاتف، فسألته إن كان مصاباً بالزكام، حيث كان صوته حزيناً، فقال لي بأن صوته تغيّر منذ فترة بسبب قلة النوم. قلت له بأن طبيباً صينياً قال لي مرة:«النوم مثل الدَّيْن، كلما أخذت منه، كلّما ثقلت الحياة واسودّت في وجهك.
وإذا لم تسدد هذا الدَّيْن في أسرع وقت، فإن شيئاً سيئاً سيحلّ بك لا محالة». لم يملك صديقي إلا تأييدي فيما قلت، وزاد بأن أخبرني أنه عاد قبل أيام من رحلة عمل في دولة أوروبية، وكانت اجتماعاته تمتد حتى الساعة الخامسة مساءً، أي إلى انتهاء وقت العمل الرسمي. عندها، يحمل الجميع حاجاته وينصرف إلى البيت.
في أول الأيام كان يتّصل بشركائه بعد الساعة الخامسة لاستيضاح بعض النقاط التي غابت عنه في الاجتماع. في بادئ الأمر تقبّلوا اتصالاته، ولكن بعد يومين قال له أحدهم بأنه لا يأبه به أو بعمله، فلديه يوم عمل كامل، من التاسعة وحتى الخامسة ليقول ما يريد، أما ما بعد ذلك فهو وقت الراحة.
قلت له بأننا تطبّعنا بطبع الآلة، فأصبحنا نعمل طالما أن هناك بنزينا، أي (أكل) وما لم يوقفنا النوم فإننا سنظل نعمل على مدار الساعة حتى انتهاء تاريخ صلاحيتنا. كلّما أرى شخصاً يعمل بهذه الطريقة ؟ وأنا واحد من أولئك ؟ أتذكر محل (إيكيا) للأثاث الذي يعرض آلات في غرف زجاجية، تضغط على كرسي أو تفتح باب دولاب باستمرار طوال اليوم لإقناع الزبائن بمتانة البضاعة. كنّا نعمل من أجل التنمية، ثم من أجل الإنجاز، واليوم، فإننا نعمل من أجل العمل فقط. وكلّما سوّلت لنا أنفسنا أخذ قسط من الراحة، نتذكّر قول شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني… ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
ونسينا أنه قال أيضاً:
دقّات قلب المرء قائلة له… إن الحياة دقائق وثوان
أتساءل دائماً، هل على المرء أن يستميت في عمله ويضحّي بوقته ووقت عائلته وأصدقائه، ويضرب بصحّته عرض الحائط، لكي يكون إنساناً ناجحاً ومميّزاً؟ أليست التنمية التي نسعى لها ونتغنّى بمفرداتها هي من أجل الإنسان؟ أي من أجلنا نحن، وليست من أجل الأسماك أو الحيوانات؟ أم أنها تنمية من أجل التنمية فقط، ولا ناقة للإنسان فيها ولا جمل؟
نقرأ كثيراً عن ثورة الاتصالات، ونذكر كلمة ثورة دائماً بإيجابية، ونغفل الجانب السلبي لها والمتمثل في بقائنا على اتصال دائماً. نجلس في البيت والهاتف النقّال إلى جانبنا. نذهب إلى المسجد والهاتف في جيوبنا. الهاتف يرنّ في السيارة فنهرع للرد عليه. وفي العمل، يعتبر الهاتف قريناً للتنمية، أو بالأحرى، قريناً للعبودية التي لا أعرف كيف أوصلنا لها هذا الجهاز الصغير.
يخاف أحدنا أن يمارس رياضة المشي على البحر دون أن يكون الهاتف معلقاً في خصره وسمّاعته تئنّ في أذنه. وإذا اتصل بنا أحد ولم نرد عليه، فإن أول شيء نقدمه عندما نتصل به هو الاعتذار عن التأخير، وكأننا ملزمون بالرد على أي شخص في أي وقت.
عندما يسمع أحدنا عن صديق أو قريب أصيب بمرض عضال كالسرطان مثلاً، فإن الدنيا كلّها تتوقف أمام عينيه لثوانٍ معدودة. يراجع فيها ؟ دون أن يشعر ؟ كل حساباته التي تظهر له في النهاية بالسالب. يضع نفسه مكان ذلك المريض، فيقول:«لو كنت مكانه لبكيت على نفسي أشد البكاء. فما قيمة كل ما أبذله من جهد أمام حياة خالية من العاطفة، خاوية من الشعور؟
لم أر أمي منذ عدة أشهر. لم أقض يوماً كاملاً مع أطفالي منذ سنوات… حتى زوجتي أصبحت جزءاً من أثاث البيت». عندما نسمع خبراً سيئاً كهذا يتهاوى كل عمل قمنا به أمام أعيننا، لأننا تركنا الأهم إلى المهم، وللأسف، فإن أكثرنا يعود إلى نفس الدوامة بعد أيام قليلة.
حتى قراءاتنا أصبحت أغلبها صلبة، جامدة، فنحن نقرأ عن العولمة، والسياسة، والإدارة، وغيرها حتى نصير كتلة فكرية جامدة تسير على الأرض. كم منّا قرأ ديوان ابن زيدون؟ أو طوق الحمامة لابن حزم؟ أو رواية توم سوير لمارك توين؟ أو مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم؟
وكم منا يشعر بتأنيب الضمير عندما يقرأ هذه الكتب لأنه يضيع وقته سدى في كتب «ليست جادة» كما قال لي أحد الأصدقاء. أما إذا ما طُرح كتاب مثل «كفاحي» لهتلر فإن الجميع يهرع ليقرأه أو يعلّق قصاصات منه على طاولة مكتبه.
في عطلة نهاية الأسبوع، نتّجه إلى الأسواق لنرفّه عن أنفسنا. الأسواق التي يملأها الصخب، والأضواء الساطعة، والأنفاس المتسارعة للوصول إلى نهاية العالم! إننا نضيع في الأسواق أجمل أيام حياتنا، وأوقات راحتنا لنعبر طوفاناً بشرياً، فنصطدم بهذا، وندفع بذاك حتى نصل إلى كرسينا المفضل في مقهى يزيد فيه الناس عن الكراسي، لنشرب فنجان قهوة أكثر مرارة من الحياة التي نعيشها. كم واحد منا لديه هواية أو رياضة يمارسها بانتظام، كل أسبوع، مرة واحدة على الأقل؟
يقول أبو الفتح البُسْتي:
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته… لتَطلُبَ الرِّبح في ما فيه خُسرانُ
أقْبِلْ على النفس فاسْتَكْمِل فضائلَها… فأنتَ بالنفس لا بالجسمِ إنسانُ
في عام 1600م بُنيَ في مدينة فينسيا الإيطالية (أو البندقية) جسر يربط بين قصر «دوتشي» الذي كان مقرّاَ لحكومة المدينة، والذي به تقع قاعة المحكمة، وبين السجن القديم. وعبر هذا الجسر كان السجناء يُنقلون من قاعة المحكمة إلى السجن بعد صدور الحكم عليهم.
وتقول الحكايات في فينسيا، إن السجناء كانوا يطلبون من السجّانين أن يسمحوا لهم بالوقوف على الجسر لبضع دقائق ليلقوا آخر نظرة على المدينة الساحرة، وكانوا في تلك الدقائق القصيرة يتنهّدون قبل أن يُجرّوا إلى سجن مظلم لسنوات طويلة، وأحياناً إلى آخر العُمر، فسمّي «جسر التنهدات».
كلّنا في حاجة إلى جسر خاص به، ليلقي من فوقه نظرة على جمال الحياة، وروعة الدنيا. جسر نلتقط من فوقه أنفاسنا، ونتنهد منه مرة واحدة في الأسبوع لأنها قد تكون المرة الأخيرة. ليكن جسرك هو بيتك، أو حديقتك، أو كتابك، أو فنجان قهوتك الصباحي، أو كرسي صغير مطل على البحر، أو كثيّب رمل تراجع من على قمّته حياتك، أو تشاهد الأفق… لا تهم ماهيّة الجسر أو مكانه أو حتى توقيته، المهم هو ألا تمرّ عليه دون أن تعرف ماذا ستقول للقاضي إذا ما وقفت بين يديه.
..........................
ما أسعد البسطاء 
................
 قرأت مرة مقولة للقائد الروحي لمنطقة التبت (الدلاي لاما) يقول فيها: «لا تقلق، فلكل مشكلة طريقان. الأول، أن يكون لمشكلتك حل، وبالتالي فإن القلق لن يفيدك في شيء. والثاني، ألا يوجد لها حل، وعليه، إن قلقك لن يحل المشكلة. إذن لا تقلق».
كلّما واجهتني مشكلة في الحياة أتذكر هذه المقولة، وأحاول تطبيقها ولكنني لم أستطع ذلك إلا مؤخراً. وكان السر في ذلك هو التفاؤل الذي تأتي به البساطة، ولا أعني هنا سطحية التفكير، ولكن البساطة في التعاطي مع الحياة من حولنا، فعندما يستطيع الإنسان أن يحقق البساطة في حياته، فإن ذلك سيعينه على ترك القلق، حتى ولو لسويعات قليلة.
لا شك أن الناس أجناس مختلفة، ولكل واحد منهم أطباعه التي تميّزه عن الآخر، فهناك من يحب أن يضع كل شيء في مكانه الصحيح، وهناك من يشكّل الوقت في حياته هاجساً كبيراً فتجده ملتزماً به إلى أبعد الحدود، وهناك الفوضويون الذين لا يهمّهم ما يجري في العالم من أحداث طالما أنهم جزء من أي فوضى تمر بهم، وهناك البليدون الذين لا يشعرون بصخب الحياة من حولهم… إلى آخر ذلك من صفات البشر.
أما البسطاء فعلى الرغم من أن أكثرهم لا يملك من متاع الحياة شيئاً، إلا أنه يبقى مثاراً للحسد بين أفراد المجتمع. فالبسطاء لا يهمهم الوقت، ولا تهمهم الفوضى، وحتى النظام يعد في عرفهم «شيئاً» من أشياء الحياة الكبيرة الممتدة أمامهم.
والبسطاء لا يغضبون كثيراً، ولا يفرحون كثيراً أيضاً، فمهتهم في هذه الحياة هي أن يقوموا بواجباتهم على قدر طاقتهم، ثم الاستمتاع بجمالياتها والتفاعل مع معطيتها أياً كانت، ثم الرحيل عنها في سلام. لا يحب البسطاء الأضواء، ولا يشعرون بالحاجة إليها، فالضوء المنبعث في داخلهم يكفيهم، ويشعرهم بأنهم أهم من يعيش على الكرة الأرضية دون أن يصيبهم ذلك بداء الغرور.
والبسطاء أيضاً ليسوا في حاجة ماسة إلى المال، فعلى الرغم من أن غالبيتهم لا تمتلكه، إلا أن حبهم له نابع من غريزتهم البشرية وليس من غريزتهم الحيوانية.
البسطاء عادة متفائلون، يرون الحياة بمنظار مختلف، لا يعرفه المعقدون والمسئولون والأغنياء والمفكرون وغيرهم إلا عندما يتناولون أدويتهم النفسية، التي أكد لهم الطبيب مراراً أنها لفترة مؤقتة فقط، ولا تلبث السنون أن تمضي حتى تتحول أمراضهم النفسية إلى أطباع راسخة في شخصياتهم. إن البسطاء يرون الجمال في كل شيء، حتى القبح، يرونه على أنه ذوق آخر من الجمال يناسب غيرهم من الناس.
إن التفاؤل صفة ملازمة للبسطاء، فحتى عندما يدخلون المستشفى للعلاج، فإنهم يحمدون الله ألف مرة على وجود مستشفى في المكان الذي يعيشون فيه، ثم يحمدونه ألف مرة أخرى عندما يخرجون منه ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية، حتى وإن كان ذلك بمرض مزمن.
ولأنهم متفائلون فإنهم يعمّرون طويلاً، فكل ما يشغل الناس لا يشغلهم، فلا هم مهتمون بنشرات الأخبار، ولا هم مهووسون بأسعار العملات والأسهم، ولذلك، تراهم يضحكون عندما يبكي الناس، ويفرحون حتى عندما يحزن الناس.
فالبسطاء لا ينظرون إلى الأشياء من حولهم نظرة المتملك، ولكنهم ينظرون إليها بنظرة المستمتع، الفرق بينهما، أن المتملك يرى أن السيارة الفارهة على سبيل المثال يجب أن تكون من حقّه، فتجده يقضي حياته ساعياً للحصول عليها، أما المستمتع، فإنه يشعر بنشوة كلما مرت تلك السيارة من أمامه، فيصفها لأصدقائه وأسرته وكأنها سيارته هو دون أن يشعر بوخزة في صدره تجاه من يملك تلك السيارة.
البسطاء لا يخافون من العين دائماً، ولا يستنكفون عن مدح الأشياء من حولهم والحديث عما يملكه غيرهم بإعجاب وسعادة، فهم معفون من ضريبة الغيرة والحسد، وما في قلوبهم يترقرق على ألسنتهم دون أن يمنعه حاجز الكبرياء.
البسطاء بشر مثلنا، يحلمون ويفرحون وينجحون ويفشلون ويحزنون، ولكنهم لا يقفون عند منعطفات الحياة هذه التي يقف عندها معظم البشر.
فأحلامهم تتناسب مع حياتهم، أما طموحتهم، فإنها لا تتعارض مع طموحات الآخرين، وبالتالي، فإنهم يفرحون إذا ما حققوا تلك الأحلام أو إذا ما حققها أحد آخر غيرهم، فهم يؤمنون بأن الأرزاق والفرص موزعة بين الناس بالتساوي.
أما الفرحة لديهم فإنها طبيعة بشرية، جبلوا عليها ونشئوا على التعاطي معها في كل يوم، وأي شيء غير الفرح يعتبرونه حالة شاذة، تمر على حياتهم ولكنها لا تعصف بها.
البسطاء يرون البساطة في كل شيء، فحتى التكنولوجيا التي تطغى عليها صفة التعقيد، يجدونها قد بسّطت التواصل بين البشر وجعلتهم أكثر قرباً من أحبائهم.
والبسطاء يتعاطون مع الحياة كما هي، دون أن يضيفوا عليها تعقيدات البشر وتدخلاتهم التي تفسد حلاوتها وتحيلها إلى ساحة معركة، ويكفيهم في المدة القصيرة التي يقضونها في هذه الدنيا، أن يضفوا جواً من السعادة والفرح على من حولهم، حتى في أحلك ساعات الظلام والحزن فإنهم يشكرون الله لأنه أمدهم بالصحة والعافية… ويشكرونه أيضاً لأنه منحهم الفرصة كي يعيشوا على وجه الأرض.
...............................................
ونجهل فوق جهل الجاهلينا 
..............................
 قبل أن تقلع الطائرة، مرت المضيفة لتتأكد من أن جميع أحزمة الأمان مربوطة. وما إن استوت الطائرة على المدرج، وأعلن قائد الطائرة أنها سوف تقلع، حتى قام زميلي بفك حزام الأمان ومد رجليه. سألته عن السبب فقال لي: ”وهل تصدق هذه الترّهات. لو تعرضنا إلى حادث فلن يفيدنا الحزام” فقلت له: ”وهل تعتقد أن الذين وضعوا قانون ربط حزام الأمان وقت الإقلاع والهبوط فعلوا ذلك تنغيصاً (أو غلاسة) على المسافرين؟” فما كان منه إلا أن أعاد ربط حزامه وبدأ يفكّر بالأمر.
كلّما ركبت السيّارة مع أحد الأصدقاء أراه يستنكف عن ربط حزام الأمان، وإذا أراد أن يستدير بسيارته، فإنه لا يستخدم الإشارات المخصصة لذلك، بل يفاجئ السائقين الآخرين بهجوم مباغت ويجبرهم على التقهقر إلى مواقعهم لكي يتمكن هو من الاستدارة.
وعندما ينزل أحدهم من سيارته، فإنه يستنكف أيضاً عن استخدام الإشارات الأربع التي تشير إلى أن وقوفه مؤقت. حتى وهو يقف في مكان ممنوع الوقوف فيه، يرى أنه من حقه عدم استخدام الإشارات، وعلى الآخرين أن يفهموا بأنه وقف هنا مؤقتا!
قد تبدو هذه المظاهر سطحية ولا أهمية لها، ولكنها في الحقيقة حالة اجتماعية، وانعكاس لمفاهيم مجتمعية معينة، تنم عن مدى ثقافة أفراد مجتمع ما ومدى نضجهم الفكري. إن معظم المجتمعات العربية تنظر إلى القوانين والأنظمة على أنها أمور وضعت لمصلحة الحكومة وليس لمصلحتها، ولأن بعض تلك الشعوب ترى بوناً شاسعاً بينها وبين الحكومة، فإنها تصنّف نفسها دائماً في معسكر مناوئ للحكومة وإن كان بالطرق السلمية، أو بأضعف الإيمان. وفي المقابل، يلتزم العربي بالقانون – إلى حد ما – إذا ما سافر إلى إحدى الدول الشرقية أو الغربية، التي تحترم القانون وتطبّقه بصرامة. وبدون فعل ذلك، فإنه يتسبب بفوضى – وإن كانت بسيطة – من حوله قد تعرضه للمحاسبة أو على الأقل لنظرات أقسى من الحجر يرمقه بها الناس.
إن استهتارنا بالقانون له جذوره وأسبابه، حيث يذكر ”نوبوأكي نوتوهارا” في كتابه ”العرب، وجهة نظر يابانية” أنه زار صديقاً له في إحدى الدول العربية. وفي الطريق كانت الشوارع مليئة بالقاذورات التي لم يخل منها مدخل البناية التي يسكن بها صديقه، وعندما دخل شقّة صديقه بدا له الوضع مختلفاً. حيث شعر وكأنه في مدينة أخرى غير التي مر عليها قبل قليل، فهي نظيفة وأنيقة، وعندما حلل الوضع، وجد أن الشعب في تلك الدولة لا يشارك الحكومة أي شيء، وليس له رأي في شؤون الدولة، ولذلك، فإنه لا يشعر بانتماء تجاه بلده كالانتماء الذي يحمله تجاه شقّته. ففي شقّته له رأي، أما الشارع فيفتي في شأنه ناس آخرون، وبالتالي انعدم إحساس المسؤولية لديه، وأصبح القانون بالنسبة له وسيلة يستخدمها ناس آخرون لتحقيق مصالح معينة.
قد يكون هذا التحليل صحيحاً بعض الشيء، ولكنني أعتقد أن الالتزام بالقانون هو ثقافة تبنى في المجتمع على مر السنين. ففي بريطانيا مثلاً، لم يكن الناس قبل ستين سنة يقفون في طوابير منظمة في الأماكن العمومية كما هو الحال اليوم، فقامت الحكومة في خمسينات القرن الماضي بفرض غرامة قدرها مئة جنيه إسترليني – كان هذا المبلغ يعد ثروة في تلك الأيام – على كل من لا يقف في الطابور، وفعلاً بدأ أفراد المجتمع يلتزمون بالقانون خوفاً من العقوبة. أما اليوم، فلقد أصبح الوقوف في الطابور وانتظار الدور ثقافة في المجتمع البريطاني انتقلت لتعم معظم دول الغرب.
وبما أنها ثقافة، فإنها تحتاج إلى جهود مجتمعة ومنظمة للوصول إليها، والأهم من ذلك أنها تحتاج إلى ”نفس طويل” من قبل صنّاع القرار حتى يروا النتائج على أرض الواقع.
إن الالتزام بالقانون يدعو إلى الرقي بالذوق العام، وإعطاء كل ذي حق حقّه. فيصنع مجتمعاً مستقرا لا يسعى أفراده للقضاء على بعضهم البعض لكي يحصل كل شخص على قطعة من الكعك أكبر من الآخرين، فقطع الحلوى في المجتمعات ”القانونية” مضمونة للجميع، ومقسمة بالتساوي بينهم، اللهم إلا من بذل جهداً مضاعفا؛ وفي إطار القانون، فإنه يحصل على قطع مضاعفة، دون أن يُحرم غيره من الحلوى.
الالتزام بالقانون هو دليل نضوج المجتمع وبلوغه مراتب من العلم والمعرفة أهّلته ليعتلي سلّم الحضارة، وذلك ليس عيباً كما يظن بعض الشباب، وليس منقصة أو علامة ضعف، بل العيب كل العيب أن نعتقد أن حزام الأمان دليل خوف، وأن نعتقد أيضاً بأننا إن وقفنا في الطابور فإن ذلك يعني أننا أصحاب شخصيات ضعيفة لا تستطيع أن تقتحم صفوف المراجعين، وتهجم على الموظف لتحقق النصر وتنهي المعاملة. إن مخالفة القوانين جهل واتّباعها معرفة، والمأساة الحقيقية هي أن نقتنع بأن الجهل قوة، وأن المعرفة ضعف، والمأساة أيضاً تكمن عندما نقتنع بأن مخالفة القوانين رجولة واتباعها هوان… فنعود بذلك إلى أكثر من ألف وخمسمئة عام إلى الوراء لينطبق علينا قول الشاعر: ألا لا يجهلن أحد علينا، فنجهل فوق جهل الجاهلينا.
.................................
مع جزيل الشكروالامتنان  للكاتب ياسر حارب 

هناك 4 تعليقات:

  1. انا مع الكاتب ياسر حارب في أن هناك مشكلة بين المواطن العربي وحكومته لذا فهو يعبر عن ذلك بمخالفته للقوانين
    شكرا لاختياراتك الرائعة دائما

    ردحذف
    الردود
    1. تحياتي لك ودمتي بخير اختي الكريمة

      حذف
  2. اختى المخلصه زهور
    دائما اختياراتك تفوق الوصف واجمل ما فيها انها لاتخطر على بال رغم مصادفتها يوميا فى حياتنا لكن ماشاء الله عليكى تملكين هذه الموهبه ادام الله عليكى بساطه شعورك واحساسك الصادق المرهف واشكرك على الفديوهات الجميله التى ترتاح نفسى لسماعها فانى اسمعها كل ليله قبل منامى والحمدلله انام بدون قلق لانى فى انتظار اول حفيد من الشيماءابنتى الكبرى ربنا يبارك فيها وتنجبه بالسلامه هى واللى زيها يارب لكى تحياتى واحتراماتى

    ردحذف
  3. اهلا بالغالية والف مبروك
    ربي يعطيها العافية والسلامة وتملى عليكم البيت اولاد وبنات وفرح وسرور
    وتصيري احلى جدة ..والحكم بينهم وقت اللزوم
    دول احلى شي في الحياة وان شاء الله يعطوكي دفعه قويه للامام ونصير نشوف قصصك مطبوعه ومنشورة بشكل اكبر واكبر
    يسعدك ربي وتحياتي للشيماء وزهرة

    ردحذف