– لقاء المؤلف الشاب / عبدالوهاب محمد الحمادي ، حول كتاب " دروب أندلسية "
• لماذا الأندلس بالذات؟
ـــ لأنها اللحظة الأبهى والأجمل والأشهى في تاريخنا وفي الذاكرة العربية. عندما يريد عربي استعادة زمن جميل فهو يعمد فوراً للزمان الأندلسي؛ الذي يتعارفون عليه بأنه «الفردوس المفقود». وللأسف إن ذاكرتنا الجماعية لها سيئات كثيرة، منها؛ أنها انتقائية، تمسك بزمان معين، فتمحو كل ما يعتريه من أخطاء ونواقص، وتستبقي لنا الصورة البراقة. وهذه آلية خادعة وغالباً ما تكون مزيفة، فتمنحنا وهم الكمال.
ولتلك المكانة، وجدت أن الأندلس منصة مثالية لنسج التأملات عن حاضرنا وتمرير الأفكار.
• هل هناك كتابات أخرى ألهمتك؟
ــــ لا أظن ذلك، قد تكون ثمة كتابات ألهمتني الأسلوب، وأنا لا أكشف سراً إن قلت أني متيّم بكتابات الجاحظ التي أعشقها بالإضافة لمقالات الطيب صالح وغازي القصيبي التي تجمع الحكمة والسخرية والسهولة والعمق.
لذا جاء السياق متنوعاً. تنقّلت فيه بين عدة أشكال أدبية؛ كالمقالة والقصة والإستشهادات الشعرية والنثرية. كل ذلك وأنا أجاهد كي لا أخل بالإيقاع العام، متمسكا باللغة كي لا تهبط نحو الركاكة أو تذهب للغريب والوحشي من اللغة.
الصورة والتوثيق
ـــ من المعروف أن الدولة الإسلامية في الأندلس حصرت الوجود المسيحي في الشمال (إقليم الباسك)، والشمال الشرقي ( برشلونة)، هؤلاء كانوا بعد زوال الدولة الإسلامية وإلى الآن يؤكدون هويتهم الخاصة، وأنهم الأكثر انتماء للثقافة الأوروبية، في المقابل بدأ الجنوب يؤكد اعتزازه بأصوله العربية، وأنه كان حاويا لأصحاب الديانات الثلاث. يقولون: نحن أندلسيون. ويحيون ذكرى أسماء عربية في مدارسهم مثل ذكرى عبد الرحمن الناصر. وكما قلت يعاد إحياء التراث الإسلامي واستثماره سياحيا لإبراز الوجه الحضاري الخاص بإرث متعدد الديانات.
تظل
الرحلة سبيلا ملهما للأدب، فعلى طريقها تتجدد الدهشة بلقاء الوجوه
الإنسانية التي تشبهنا ولا تشبهنا، بإثارة الحوار المتجدد مع أماكن
وثقافات، نعيد من خلالها اكتشاف أنفسنا أيضا. لذا كان أدب الرحلة واحدا من
أقدم أشكال الأدب لدينا منذ عصور الازدهار الأولى. وفي كتابه «دروب
أندلسية، الصادر أخيرا، يقدم لنا الكاتب الكويتي عبد الوهاب الحمادي شكلا
مختلفا من أدب الرحلة، إنها الرحلة التي تسير على خطا التاريخ، من دون أن
تقع في وهم استعادته؟ بل تجعل من هذا التاريخ المتراكم لأسبانيا
المعاصرة/أندلس التاريخ، مجالا لرؤية الحاضر، وكيف يلقي التاريخ بظلاله
عليه في علاقة الإثنيات المختلفة في أسبانيا اليوم. وكيف يسهم في سجال
الهوية والثقافة في حاضر له هيئة أوروبية وظل عربي إسلامي. حول الكتاب جاء
حوارنا مع الحمادي وهو مدير منتدى المبدعين برابطة الأدباء. نشر الحمادي
العديد من المقالات في القبس وغيرها، وله رواية ستصدر هذا العام.
• لماذا الأندلس بالذات؟
ـــ لأنها اللحظة الأبهى والأجمل والأشهى في تاريخنا وفي الذاكرة العربية. عندما يريد عربي استعادة زمن جميل فهو يعمد فوراً للزمان الأندلسي؛ الذي يتعارفون عليه بأنه «الفردوس المفقود». وللأسف إن ذاكرتنا الجماعية لها سيئات كثيرة، منها؛ أنها انتقائية، تمسك بزمان معين، فتمحو كل ما يعتريه من أخطاء ونواقص، وتستبقي لنا الصورة البراقة. وهذه آلية خادعة وغالباً ما تكون مزيفة، فتمنحنا وهم الكمال.
ولتلك المكانة، وجدت أن الأندلس منصة مثالية لنسج التأملات عن حاضرنا وتمرير الأفكار.
• هل هناك كتابات أخرى ألهمتك؟
ــــ لا أظن ذلك، قد تكون ثمة كتابات ألهمتني الأسلوب، وأنا لا أكشف سراً إن قلت أني متيّم بكتابات الجاحظ التي أعشقها بالإضافة لمقالات الطيب صالح وغازي القصيبي التي تجمع الحكمة والسخرية والسهولة والعمق.
لذا جاء السياق متنوعاً. تنقّلت فيه بين عدة أشكال أدبية؛ كالمقالة والقصة والإستشهادات الشعرية والنثرية. كل ذلك وأنا أجاهد كي لا أخل بالإيقاع العام، متمسكا باللغة كي لا تهبط نحو الركاكة أو تذهب للغريب والوحشي من اللغة.
الصورة والتوثيق
• جاء الكتاب محتفيا بالصورة، فهل كان الغرض توثيقا، أو استكمالا للروح الأدبية؟
ــــ منذ عرفت الكتابة، عرف الإنسان الارتحال عبر السطور. وهنا أتذكر بفخر مجلة كالعربي التي رحلت بالعرب إلى بلدان لم يكونوا بالغيها. جئت بالصورة كنص يوازي النص ويحاذيه، تفسره حيناً وتجذب إليه. وجئت بها أيضا لهدف أهم .. وهو التوثيق؛ فالمكتبة العربية الأندلسية تعاني فقراً مزمنا في هذا المجال. لذا استعنت بصور شخصية صورتها خصيصاً لهذا الكتاب، كما استعنت ببعض الصور الأخرى. وحرصت ألا تكون من التي ملّها القارئ كنافورة الأسود وأعمدة وأقواس جامع قرطبة.
ــــ منذ عرفت الكتابة، عرف الإنسان الارتحال عبر السطور. وهنا أتذكر بفخر مجلة كالعربي التي رحلت بالعرب إلى بلدان لم يكونوا بالغيها. جئت بالصورة كنص يوازي النص ويحاذيه، تفسره حيناً وتجذب إليه. وجئت بها أيضا لهدف أهم .. وهو التوثيق؛ فالمكتبة العربية الأندلسية تعاني فقراً مزمنا في هذا المجال. لذا استعنت بصور شخصية صورتها خصيصاً لهذا الكتاب، كما استعنت ببعض الصور الأخرى. وحرصت ألا تكون من التي ملّها القارئ كنافورة الأسود وأعمدة وأقواس جامع قرطبة.
• هل هناك أفكار استبعدتها من جملة مشاهداتك لأنها لا تتواءم وتتلاءم مع فكرتك، أم أجلتها لبحث آخر؟
ـــ بالطبع وسأستغل الفرصة، لأقول: يجب علينا أن نتخلص من الكتابات التي تنقل المعلومات فقط، نريد إعادة إنتاج المعلومة، وهنا يكمن فرق جوهري بين الحجر والعقل البشري. من هنا استبعدت بعض التفاصيل كي اترك المسار للفكرة الرئيسة والأفكار الأخرى أن تجري في المجرى الذي شققته لها قبلاً، من دون معوقات. وما نبذته قد أعيد إنتاجه عبر رواية أو مقالة أو.. أودعها حلما قديما بأن استكمل ما بدأه الأمير شكيب ارسلان في الحلل السندسية، حيث توفاه الله قبل أن يكمل الجزء الأخير من تلك السلسلة الثمينة.
وقبل أن أذهب إلى اسبانيا، كنت قد قرأت كل ما طالته يدي من المكتبة الأندلسية كنفح الطيب وكتب ارسلان وعبد الله عنان وغيرهما. كما قرأت معظم كتب الرحلات لتلك الأرض. فوجدت فيها البكاء والتحسر والوقوف على الأطلال؛ الذي لا أبرئ نفسي منه، فدائي من داء المتنبي:
«بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها.. وقوف شحيحٍ ضاع في الترب خاتمه»
لكن حاولت أن أعلي من شأن العقل وأزيد من جرعة التفكير قليلاً، مبتعداً عن العاطفة الجميلة. التي تدمرنا أحيانا وتخدعنا، فعسى ألا تكون جرعة زائدة.
التراث معاصرا
ـــ بالطبع وسأستغل الفرصة، لأقول: يجب علينا أن نتخلص من الكتابات التي تنقل المعلومات فقط، نريد إعادة إنتاج المعلومة، وهنا يكمن فرق جوهري بين الحجر والعقل البشري. من هنا استبعدت بعض التفاصيل كي اترك المسار للفكرة الرئيسة والأفكار الأخرى أن تجري في المجرى الذي شققته لها قبلاً، من دون معوقات. وما نبذته قد أعيد إنتاجه عبر رواية أو مقالة أو.. أودعها حلما قديما بأن استكمل ما بدأه الأمير شكيب ارسلان في الحلل السندسية، حيث توفاه الله قبل أن يكمل الجزء الأخير من تلك السلسلة الثمينة.
وقبل أن أذهب إلى اسبانيا، كنت قد قرأت كل ما طالته يدي من المكتبة الأندلسية كنفح الطيب وكتب ارسلان وعبد الله عنان وغيرهما. كما قرأت معظم كتب الرحلات لتلك الأرض. فوجدت فيها البكاء والتحسر والوقوف على الأطلال؛ الذي لا أبرئ نفسي منه، فدائي من داء المتنبي:
«بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها.. وقوف شحيحٍ ضاع في الترب خاتمه»
لكن حاولت أن أعلي من شأن العقل وأزيد من جرعة التفكير قليلاً، مبتعداً عن العاطفة الجميلة. التي تدمرنا أحيانا وتخدعنا، فعسى ألا تكون جرعة زائدة.
التراث معاصرا
• ما هي علاقة اسبانيا الحديثة بهذا التراث؟
ــــ يجب أن نعلم أن عوامل كثيرة ساهمت في بعد اسبانيا وعدم عنايتها بالتراث العربي والإسلامي. ابتداء بالحروب الصليبية مروراً بمحاكم التفتيش «التي لم ترحم اليهود والنصارى أيضاً»، مروراً بتحول اسبانيا إلى إمبراطورية بعد اكتشاف أميركا، ثم انكماشها، ناهيك عن الحروب الأهلية… الخ. لكن، كل ذلك بدأ بالتبدد مع تشكل وتبلور مفهوم السياحة الحديثة التي تعتبر رافدا مالياً مهماً في دول كثيرة. ورغبة اسبانيا في الظهور ببلد احتضن الديانات الثلاث متجاورين على أرض واحدة، وتبيان مكانتها المهمة في تمرير شعلة الحضارة إلى أوروبا. لهذه الأسباب مجتمعة وغيرها يتم حاليا بناء المتاحف والعناية بالتراث الأندلسي كطباعة الكتيبات الإرشادية للدخول للمواقع المهمة باللغة العربية، على الرغم من أن حصة السياحة العربية ضئيلة.
أخيرا، مدينة قرطبة منذ أربع سنين تستعد لعام 2016 لأنه العام الذي ستكون فيه عاصمة أوروبا الثقافية، ومن هنا دعوة لعبدالعزيز البابطين الذي يهتم بأسبانيا والأندلس وانفق في سبيل ذلك الكثير كي يضع العرب في مكان لائق في هذه الاحتفالية.
ــــ يجب أن نعلم أن عوامل كثيرة ساهمت في بعد اسبانيا وعدم عنايتها بالتراث العربي والإسلامي. ابتداء بالحروب الصليبية مروراً بمحاكم التفتيش «التي لم ترحم اليهود والنصارى أيضاً»، مروراً بتحول اسبانيا إلى إمبراطورية بعد اكتشاف أميركا، ثم انكماشها، ناهيك عن الحروب الأهلية… الخ. لكن، كل ذلك بدأ بالتبدد مع تشكل وتبلور مفهوم السياحة الحديثة التي تعتبر رافدا مالياً مهماً في دول كثيرة. ورغبة اسبانيا في الظهور ببلد احتضن الديانات الثلاث متجاورين على أرض واحدة، وتبيان مكانتها المهمة في تمرير شعلة الحضارة إلى أوروبا. لهذه الأسباب مجتمعة وغيرها يتم حاليا بناء المتاحف والعناية بالتراث الأندلسي كطباعة الكتيبات الإرشادية للدخول للمواقع المهمة باللغة العربية، على الرغم من أن حصة السياحة العربية ضئيلة.
أخيرا، مدينة قرطبة منذ أربع سنين تستعد لعام 2016 لأنه العام الذي ستكون فيه عاصمة أوروبا الثقافية، ومن هنا دعوة لعبدالعزيز البابطين الذي يهتم بأسبانيا والأندلس وانفق في سبيل ذلك الكثير كي يضع العرب في مكان لائق في هذه الاحتفالية.
• هل هو أدب رحلات من نوع خاص تسير الجغرافيا فيه على خطى التاريخ؟
ــــ لا أستطيع أن احسم في هذه المسألة، لكن أقول أن أدب الرحلات الذي قرأته والمتعارف عليه، يحتوي تفاصيل أكثر بكثير مما وضعته في الكتاب. والتي شذبت وحذفت كثيرا منها..لا اعتراضا عليها، فأنا أحبها، لكن، لم أشأ أن أثقل النص بها.
سيشعر القارئ أن الجغرافيا مسرح كبير والتضاريس ديكور، يتبدّل أبطال التاريخ على خشبتها، لا مكان للبطل الأوحد أو المخلّص.
ــــ لا أستطيع أن احسم في هذه المسألة، لكن أقول أن أدب الرحلات الذي قرأته والمتعارف عليه، يحتوي تفاصيل أكثر بكثير مما وضعته في الكتاب. والتي شذبت وحذفت كثيرا منها..لا اعتراضا عليها، فأنا أحبها، لكن، لم أشأ أن أثقل النص بها.
سيشعر القارئ أن الجغرافيا مسرح كبير والتضاريس ديكور، يتبدّل أبطال التاريخ على خشبتها، لا مكان للبطل الأوحد أو المخلّص.
صراع الهوية
• تقول أن التاريخ ألقى بظلاله على جدل الهوية الحالي في اسبانيا؟ـــ من المعروف أن الدولة الإسلامية في الأندلس حصرت الوجود المسيحي في الشمال (إقليم الباسك)، والشمال الشرقي ( برشلونة)، هؤلاء كانوا بعد زوال الدولة الإسلامية وإلى الآن يؤكدون هويتهم الخاصة، وأنهم الأكثر انتماء للثقافة الأوروبية، في المقابل بدأ الجنوب يؤكد اعتزازه بأصوله العربية، وأنه كان حاويا لأصحاب الديانات الثلاث. يقولون: نحن أندلسيون. ويحيون ذكرى أسماء عربية في مدارسهم مثل ذكرى عبد الرحمن الناصر. وكما قلت يعاد إحياء التراث الإسلامي واستثماره سياحيا لإبراز الوجه الحضاري الخاص بإرث متعدد الديانات.
• لمن هذا الكتاب؟
ــــ لعشّاق التاريخ الأندلسي ولمن ينوي زيارة اسبانيا، لكنه لا يعرف ماذا يوجد هناك، فقد يدخله الكتاب لعالم التاريخ من باب التاريخ الأندلسي فيغويه هذا العالم الساحر، فيهيم فيه ويتتبع المصادر ويبحث عن المنابع.. ومن يدري؟ لعله يأتينا بقراءة جديدة للتاريخ، فرب مبلّغ أوعى من سامع، كما قال عليه الصلاة والسلام.
ــــ لعشّاق التاريخ الأندلسي ولمن ينوي زيارة اسبانيا، لكنه لا يعرف ماذا يوجد هناك، فقد يدخله الكتاب لعالم التاريخ من باب التاريخ الأندلسي فيغويه هذا العالم الساحر، فيهيم فيه ويتتبع المصادر ويبحث عن المنابع.. ومن يدري؟ لعله يأتينا بقراءة جديدة للتاريخ، فرب مبلّغ أوعى من سامع، كما قال عليه الصلاة والسلام.
نوفمبر 30th, 2012 at 9:38 م
واتمنى التواصل معك
وقراءة كل ما تقدمينه
من جمال فكر وحرف
تحياتي
نوفمبر 30th, 2012 at 9:51 م
وبإذن الله اكون هناك دوما ويسرني ذلك
شكري لك يفوق الوصف
يناير 23rd, 2013 at 10:04 م